آداب الخلاف
أدب الخلاف
لم يكن في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم أي اجتهاد أو خلاف لوجود النبي،
إلا أنه قد سعى في تعليمهم الاجتهاد فيما قد يعرض لهم من مسائل، حتى يستطيعوا ان
يقابلوا ما سيجد عليهم من نوازل.
والاجتهاد هو أن تبذل وسعك لتحكيم الظن في حكم، وسببه هو عدم وجود دليل
صريح، بل يكون من خلال جمع الأدلة والقياس والتقليب في العقل حتى يخرج بحكم يظنه
أنه حكم الله، ويرجي التأكيد على كون الحكم ظني، فلم يوجد له دليل قطعي الثبوت
يغنيه عن الاجتهاد من الأساس، بل سبب الاجتهاد هو انعدام النص اليقيني.
الأدلة القطعية
- القرءان
- السنة الصحيحة
- إجماع العامة،
أو ما يعرف بالمعلوم من الدين بالضرورة
والأدلة قد تكون قطعية وقد تكون ظنية
فالقطعية مثالها الأرقام، والظنية، قد تحتمل أكثر من معنى.. ومحل
الاجتهاد هو في الأدلة الظنية، ولذا يسمى الحكم ظني، أي أنه يظن أنه الصحيح، ولا
يوجد اجتهاد مع القطعية.
وسبب الخلاف هو عرض من أعراض الاجتهاد، وطرق الاجتهاد المختلفة التي هي
من أول أسباب الخلاف، حيث أن لكل عالم مجتهد نظر في الأدلة الظنية والمعمول به من
غيره، فأول أسس الاختلاف هو اختلاف الأفهام.
أنواع الخلاف
الخلاف منه ما هو شر ومنه ما هو كذلك، والخلاف في الظنيات هو من الخلاف
المعتبر أو الرحمة بالأمة، وأما عن الخلاف في القطعي هو خلاف شر، وكذلك الخلاف
الذي ينتج عنه فتنة وشر وكل ذلك هو خلاف الشر، أما الخلاف في الظنيات وتبيان
الآراء فيه فهو من المعتبر الذي نفع الله به وأعطاه خير للأمة، حيث أن في اختلافهم
ما يعطي براح من أن يأخذ الواحد برأي أي واحد من أهل الاجتهاد المعتبرين، وباختصار
فإن اتفاق المجتهدين المعتبرين حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة.
ويمكن أن نقول دونا عن الاختلاف أن نقول السعة، ففي الاختلاف سعة للعوام
ورحمة لهمن.
الاختلاف غير السائغ: هو ما فيه دليل
قطعي، وهو المذموم، وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة.
الاختلاف السائغ: هو ما لم يرد فيه
نص قطعي من الكتاب والسنة والإجماع، فمن خالف فيه وذهب إلى معنى يحتمل ما ذهب إليه
ويكون عليه دلائل، لم يكن فيه بأس ولا ذم.
قد يقول البعض أن ما دام الاختلاف رحمة فإذا يكون الاجتماع عذاب، فقال
النووي ردا على هذه الشبهة:
أن اول من أثار هذه الشبهة من كان فيهم خلل بين من جهة الدين، ونقول أنه
القول بأن الشيء رحمة، لا يلزم من أن يكون ضده عذاب، بل وإن الاجتماع لا يكون إلا
على ما فيه خير الأمة والنفع لهم بإذن الله تعالى، فالاختلاف رحمة والاتفاق حجة.
أهم آداب الخلاف
- ألا يقطع
الإنسان بصحة قوله في أي مسألة ظنية
- لا تقول هذا
حكم الله ومراده في المسألة، بل قل هذا ما أظنه حكم الله.
- المجتهد مأجور
على اجتهاده حتى وإن أخطأ في ظنه، فأحذر أن تهجم على أحدهم.
- أن تدرك أنك
لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرءان وجوه كثيرة.
- أن تقول في
المقطوع عليه بنص من القرءان والسنة، حكمنا بالصواب وقول الله في الظاهر
والباطن، ونقطع بأن هذا هو مراد الله، بخلاف الظني نقول حكمنا بالحق
باجتهادنا، أو بالظاهر.
- ألا تحمل
الناس على مذهبك (الظني)، فقد يكون ما وصلت إليه ليس هو الحق، بل عليك أن
تحمل للناس كل الأقوال والآراء المعتبرة، فقد يكون الحق في خلاف ظنك واجتهادك.
- ألا تناقش في
مسائل الخلاف ألا بنية الوصول إلى الحق، فلا تناقش لمجرد النقاش والجدال من
أجل أن تنتصر لنفسك أو أن تظهر أنك على حفظ شديد لأقوال العلماء والاختلافات
وكل هذه النوايا البائسة.
- أن تقر
المخالف بالعلم والفضل، وألا تنتقص منه وتهاجمه وتشكك فيه وتسيء له ولشخصه،
بل قر فضله واعرف لأهل الفضل فضلهم، وإياك أن تنسى فضل أحد عليك وعلى تعليمك
إن خالفته في مذهب أو مسائل، وعلى الرغم من شدة الخلاف بين الشافعي والحنفي
في كثير من المذهب، إلا أنه كان يقول الفقهاء عيال على أبي حنيفة، وكان بينه
وبين مالك خلاف ولكن نراه يقول مالك معلمي، وكان الإمام أحمد في خلاف في بعض
الأقوال مع الشافعي إلا أن الشافعي كان يقول لأحمد أنت أعلم بالأخبار الصحاح
منا، فإذا كان الخبر صحيحا فأعلمني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو مصريا، وهذا
مع كون الشافعي هو أستاذ أحمد، وكان الإمام أحمد يقول إذا سألت في مسألة لا
أعرف فيها خبر أقول بقول الشافعي لأنه عالم من قريش، وباختصار وإن خالفونا في
أشياء فلا ننكر لهم فضلا ولا قدرا، فإن الناس لا يزالون يخالفون بعضهم بعضا.
- أن يلتزم
الإنسان الرفق في خلافه ومناظرته وبيانه، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من
حولك، بل ناقش وحاور بكل أدب ولين، ولا تنسى أول أصل من أن قولك هو مجرد ظنك
لا يمكن أن تجبر غيرك عليه.
- ألا يجرك
الاختلاف العلمي إلى اختلاف القلوب والتنافر، فما يمنع أن نكون إخوانا وإن لم
نتفق في مسألة أو مسائل، بل وإن اختلفت القلوب وتنافرت فهو دليل على سوء نيتك
وشك في صدقك وأدبك، بل قم وقدمه وارفع قدره وعظمه واعترف له بالفضل وكن أديبا
معهم.
- ألا تتكلم في
مسألة لا تعلم أن فيها خلاف، أو لا تعلم ما هو الخلاف الذي فيها، بل ودونا عن
هذا فإن أسوء منه أن تنكر القول وتبادر إلى تخطئة من تحدث، بل وتعلم أن تقول
لا أدري، أو تحجب عن الكلام فيما لا تدريه، فمن قال لا أدري فقد أفتى، فقد
قال الملائكة المقربين لا علم لنا إلا ما علمتنا، ومن لم يعرف الاختلاف لم
يشتم رائحة الفقه بأنفه، ومن لم يسمع الاختلاف فلا تعدوه عالما، فإن كنت قليل
العلم باختلاف العلماء فأنت من أقل أصحاب الفقه وأمسكهم عن الفتيا، فلا تبادر
بالترجيح والفتي برأي واحد وتعارض ما قد يعرض لك من غيرها من الآراء ورأيك
أنت ما يخالف الأقوال المعتبرة من أقوال العلماء.
- أن تعذر
المخالف باجتهاده، بل وأن تعلم أنه قد اجتهد وهو مأجور على اجتهاده حتى وإن
أخطأ، بل ومن كان مجتهدا حتى في تقليده دونا عن اجتهاده في العلم فعليك أن
تعذره، ولتعلم أن لا أحد من المجتهدين بقدر ما استطاعوا على الحق لم يكن يقصد
في أي حال من الأحوال أن يخالف باجتهاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل
يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعذر المجتهد الذي وصله
قول الرسول بأنه لم يكن يعتقد أن هذا هو قول الرسول، أو كان يعتقد أنه لم
يقصد المعنى الذي تعلمه أنت من قول الرسول، أو اعتقاده أن هذا الحكم منسوخ،
فحتى وإن أخطأ في اجتهاده وخالف حكم قطعي فألتمس له العذر، وكما يعذر المجتهد
المجتهد، فكذلك على المقلد أن يعذر المقلد في تقليد من اجتهد في الوصول للثقة
فيه، فلا ينكر على من عمل في أي مسألة فيها سعة وخلاف، سواء كان مجتهدا أو
مقلدا.
هل يمكن أن تأخذ بآراء من المذاهب الأخرى مخالفة لمذهبك؟
إذا وقع في قلبك صحة قول المخالف من المذاهب الأخرى، وأن يكون هذا بصدق بعيدا عن الهوى، فمن الممكن أن تأخذ منه، ولكن إن لم تكن تسمع بمسألة إلا من طريق واحد فالتزم بها.