أصنام العصر الحديث
أصنام العصر الحديث
في زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان الصنم شيء معين
متمثل في تماثيل وحجارة وكواكب يعبدها قوم إبراهيم، وكان الأمر في عهده أكثر
تحديدا وتعيينا من أصنام عصرنا، لأن عصرنا ضم في طياته عدد كبير جدا من الأصنام
المختلفة والمتنوعة، بدرجة قد تجعلنا نعتبر أن الحجارة والتماثيل هي ذيل قائمة
الأصنام المعاصرة.
ويمكن من أبرز الأصنام في عصرنا هو صنم العادات
والتقاليد، صنم المجتمع، صنم السطلة والمكانة، والأمثلة كثيرة لا مجال لحصرها هنا.
والمشكلة إن الأصنام المذكورة تمكنت من حياتنا أشر
التملك لدرجة جعلتنا فعلا نصرف لها من الأفعال ما لا يصرف إلا لله ابتغاء لمرضات
هذه الأصنام.
التحدي أمام أصنام العصر
هنا كل فرد مننا أدامه طريقين، إما أن يمتثل طريق الخليل
إبراهيم عليه السلام في إبراز الباطل بشكل جلي واضح ومهاجمته بحقيقته، هجوم تبيين
وليس هجوم تخويف حتى لا يتفنن البعض في معنى الكلمة، وقولنا طريق إبراهيم لزاما
منه اتباع الطريق كامل والذي جاء في آخره "سلام عليك سأستغفر لك ربي"
لكي لا يظن البعض أن كلمة الهجوم على الباطل تعني صور الإرهاب والكباب التي تتمثل
لكثير من الناس في عصرنا.
فإما أن نمتثل طريق الخليل في مهاجمة الباطل والتبرؤ منه
ومعاداته، أو نمتثل طريق الضعفاء أو الضلال، وكل على حسب ما يبطن في قلبه.
وطريق إبراهيم في عصرنا تعني أن يقف من بيننا رجال
ليظهروا وينبهوا الناس بكل صور الأصنام التي عبدت في عصرنا (وهذا مقتبس من قول
الرسول عبد الدرهم والدينار كتوضيح لمدى ارتباط القلب بهما حتى لا يظن ظان أننا
إنما نكفر البعض جهلا)، وأن يعاديه بكل وضوح وقوة تحميه من بطش الجهال والضلال
عليه.
نماذج لتلك الأصنام
على رأس ذلك مثلا ما يصرف من أموال في صنم العزاء أو
الأفراح لمجرد إرضاء صنم المجتمع، فإننا لو نظرنا لأمر العزاء لوجدنا أن الرجل
الفقير يتكلف فوق ما يطيق ويجهد نفسه أشد المجاهدة كما يجهد العابد نفسه في عبادته
لربه!، وكل ذلك يفعله الرجل فقط لكي يرضى عنه صنم المجتمع وينزل عليه بوابل المديح
والثناء ولن يطول ذلك مهما فعل.
ولو وجد من بيننا رجال حنيفين كإبراهيم وبينوا للمجتمع
أن هذا إنما هو صنم تمثال لا ينصرف إليه أصحاب العقول السليمة، بل ينصرف إليه من
كان في ضلال مبين، وبين كما بين إبراهيم الذي تبرأ من أصنامهم قائلا لهم إني بريء
مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.
لو بينا لهم بديل تلك الأصنام التي عبدوها والخير الذي
يخفى عن عقولهم كما فعل إبراهيم بأن بين لهم أن أولى بالعبادة وصرف الطاعات له هو
من خلق تلك الأصنام التي لا تقوى على الحراك ولا على السمع ولا على البصر ولا على
الضر والنفع هو ربكم وخالقكم ومنشأكم ورب تلك الكواكب ومادة الأصنام التي تصنعونها
وتعبدوها، لكنا قد امتثلنا طريق قوي من طرق الأنبياء الذين حثنا الله على أن نقتدي
بهداهم.
والبديل في مثال العزاء بسيط جدا يمكن القياس عليه في كل
الأصنام التي عبدت في عصرنا، فإننا نجد العبد المسكين الذي يتقرب بفعله الأفاعيل
في العزاء إلى المجتمع ليرضى عنه إنما في أصل الأمر ينشأ عزاء على روح الفقيد
ليتلقى العزاء والدعاء له، ولو أنه نظر وتأمل لوجد أن أقل من يستفيد بالعزاء
المقام هو المتوفى نفسه، إذ أن بربع أو نصف المبلغ الذي يصرف في هذا العزاء
وصرفناه في صدقة جارية أو كفالة يتيم أو تجهيز عروس (بما لا يتوافق مع صنم التجهيز
الحالي)، لكان كل ذلك أنفع وأولى للميت.
مخاطر أصنام العصر
وفي الحقيقة إن الأصنام في عهد الخليل كانت أوضح وأكثر
تميزا من الأصنام التي وجدت في عصرنا، والتي وجد مع كل منها بدل الحجة ألف حجة
لتبرر الوقوع في عباداتها والسعي إلى تحصيل رضاها، ولذا فإن دور المصلحين في عصرنا
شاق وهام جدا لكشف غفلة الناس عن الكثير من المعاني التي غابت عن عقولهم أنه من
أضل وأعجب ما يفعله فاعل.