الرجاء والخوف من الله
الرجاء
خلق الله الإنسان وجعل له ميزان يسير عليه حتى ينتظم أمره ودينه ودنياه،
ومن ذلك أن جعل الرجاء في مقابل الخوف، والرجاء هو راحة في النفس باعثها هو انتظار
قدوم شيء يسعد الإنسان.
ولميزان الإنسان كفتين، أحدهما كفة الخوف والأخرى كفة الرجاء، يرتفع خوف
الإنسان لأعلى درجة إلى ما قبل القنوط من رحمة الله فينزل الخوف ويرتفع الرجاء
لأعلى درجة إلى ما قبل الأمن من مكر الله ثم ينزل الرجاء ويرتفع الخوف، وهكذا تظل
كفة الإنسان طيلة أيامه وحياته سائرا إلى الله، فالإنسان يسير كالطائر، رأس الطائر
محبة الله، وجناحيه هو الخوف والرجاء.
كيف يكون الرجاء
لا يكون الرجاء إلا بالعمل، قال سبحانه: فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل
عملا صالحا، وقال تعالى: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله،
أولئك يرجون رحمة الله، ولذا فالغرور هو أن تعصي وترجوا، أن تغتر برحمة الله بدون
عمل، بخلاف الرجاء الذي هو أن تتوب وترجوا، أن تجاهد وتنفق وتعمل صالحا وتتقرب إلى
الله وتحبه وترجوه.
سوء الظن بالنفس وحسن الظن بالله
لا بد أن يستوي فيك سوء ظنك بنفسك وحسن ظنك بالله، نعم تقر بانك عاص،
ولكن تعلم ان عفو الله ورحمته واسعة ستشملك، تعلم انك مسيء، ولكن توقن أن الله
كريم سيغفر لك، تعلم أنك مقصر ولكن توقن أن الله فضله عظيم وهو التواب الرحيم
سيتوب عليك، تعلم أنك سيء ولكن الله كريم سيصلحك.
وإن أقوى آيات الرجاء في القرءان هي قوله تعالى: قل يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو
الغفور الرحيم، بل قد قال بعض العلماء فيها ان هذه الآية تبشر العاصي أن الله يغفر
له ولو لم يتب، كما أن من أعظم وأكبر الأحاديث التي تشرح الصدر وتزيد من رجاء
العبد هو قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: يا بن آدم إنك ما دعوتني
ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، -تأمل! ولا أبالي- يا بن آدم لو بلغت ذنوبك
عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض
خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا للقيتك بقرابها مغفرة. الله أكبر.
إن من أقوى ما تستخرجه من هذه الآيات والأحاديث هو أن تأمل ان الله يغفر
قد لعبده ولو لم يتب، فأمر الإنسان تحت مشيئة الله إن لم يتب، إن شاء غفر الله وإن
شاء عاقبه، غير الشرك.
وتأمل قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا
دعاني، تأمل تقديم القرب على الإجابة، فإن شعورك بالقرب من الله في الدعاء خير لك
من الإجابة، بل وعليك وأنت في حال الدعاء أن تكون على أعلى درجات الرجاء، قال صلى
الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، بل حتى اسأل الله مما ترى
تحققه مستحيلا (في عقلك، وليس مستحيلا لمخالفة السنن الإلهية) ولكن كن على يقين من
الإجابة.
الحذر من شرك الرجاء
إياك من شرك الرجاء، هل رجاءك في الله أقوى، أم رجاءك في الهاتف والمعارف
الذين قد تهرول إليهم حال حلول المصائب والبلايا؟ إياك منه إياك، بل عليك أن يكون
رجاءك في الله أشد وأقوى، وأنه مهما تكالبت عليك الدنيا، مهما اسودت الدنيا،
وتكالبت الهموم فليكن رجاءك في الله فهو سبحانه وتعالى يفرجها كلها، ويبددها كلها
مهما كانت ذنوبك ومعاصيك، حين تدعوه يجيبك على أي حال كنت.
- ارفع رجاءك أن
الله يجيب دعائك مهما طلبت ودعوت
- ارفع رجاءك أن
الله يفرج كروبك ويبدد همومك وهو على كل شيء قدير
- ارفع رجاءك ان
الله معك يجيبك وينقذك من كل الشدائد
- ارفع رجاءك أن
الله يغفر ذنوبك مهما بلغت
- ارفع رجاءك
لأعلى درجة مع تقديم ما يمكنك من عمل.
الخوف
الخوف هو رحمة الله بالعبد، هو سوط الله الذي يسوق عبده إلى رحمته، إلى
جنته، وفي الخوف من الله كل الأمان، فمن خاف من شيء هرب منه إلا الله، من خاف منه
هرب إليه، إن كنت مؤمنا فأنت تحتاج إلى الخوف من الله والخوف من الله يزيدك
إيمانا.
فأنت إذا استنفذت طاقتك في حب الله لم تحب أي أحد غير الله ولم تحتاج أن
يحبك أي أحد غير الله، وكذلك في الخوف، إذا استنفذ الخوف من الله كل طاقة قلبك على
الخوف لم تعد تخشى غير الله، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين.
نماذج من خوف السلف
روي عن بعضهم أنه رأى شيء يخيف في الطريق فقيل له ألا تخاف؟ قال إني
استحييت أن يطلع الله على قلبي فيجد فيه خوفا لغيره، وإن توحيد الخوف هو ألا تخاف
من أي شيء غير الله ولا تخاف من أي شيء كما تخاف من الله.
الشرك في الخوف
إن خوفك من غير الله كخوفك من الله قد يكون في باب الشرك، وحقيقة الخوف
تظهر في المواقف، فأنت قد تجد في نفسك حين تفعل الذنب خوفا من الناس أكبر من خوفك
من الله وفي هذا دليل على طبيعة خوفك ودرجته، بل قد يكون خوفك من غير الله ذنبا
أكبر من الذنب نفسه، فأعمال القلوب ومعاصيه أكبر من معاصي الجوارح، فقد روي عن ابن
عباس أنه قال: يا صاحب الذنب لعدم حياؤك ممن عن يمينك وعن يسارك أعظم من الذنب، يا
صاحب الذنب لفرح قلبك حين تباشر الذنب أكبر من الذنب، يا صاحب الذنب إن حزن قلبك
عند فوات الذنب أعظم من الذنب، يا صاحب الذنب لوجل قلبك إذا حركت الريح ستر بابك
وأنت على الذنب أعظم من الذنب.
من علامات الخوف من الله
من علامات الخوف من الله ألا يخاف منك أحد، أن يأمنك الناس، قال تعالى:
لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب
العالمين، فكأن خوفه من الله كان محركا وباعثا على أن يأمن غيره منه، باعثا على أن
يخبر الناس أنه آمنون منه ومن ضره أو قتله، وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن من
أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم، وقال: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن
من لا يأمن جاره بوائقه، باختصار أن يكون خوفك من الله أمان للناس منك.
ومن علامات الخوف من الله أن يستوى سرك وعلانيتك، أن يكون عملك في السر
والعلن نابع من خوفك من الله، فأنت في العلن لا تراقب الناس؛ بل الله، وكذلك في
السر يكون كما في العلن، وقد قيل في الوصية لا تجعل الله أهون الناظرين إليك، اخش
الله كأنك تراه، واحذر عاقبة الذنب، واعلم أن الله عز وجل بطشه شديد، وعقابه أليم،
وهو سريع الحساب والعقاب.
من خاف الله: لم يخش أحدا غير الله، أمنه الخلق، استوى سره وعلانيته، فيعيش بذلك كله جنة الخوف من الله.